بالمقلوب

السبت، 18 سبتمبر 2010
برغم كل تلك الطرق المعبدة المؤدية للمكان نفسه لم أختر سوى ذلك الطريق الترابي المعتم و الذي تنتشر على جانبيه أشجار كثيرة وبعض البيوت المسكونة , لا أدري أكانت هذه مصادفة بحته أن أمر بذلك الشارع اليوم أم أنها كانت مصادفة مدروسة , ها أنا ذا أسير في هذه الطريق للمرة الثانية ولكن بخطى معكوسة ,لازلت أذكر هذا الشارع جيدا أعرف ملامحه أعد علاماتي التي وضعتها في مروري الأول فيه .
أسير وأنظر لتلك المنازل القليلة هناك منتظرا أن يعلق نظري بذلك المنزل الذي علق بذاكرتي ولم يغب عنها ليوم , (( ما أبعد الأشياء عندما نأتيها من الجهة المعاكسة )) , أقلب نظري يمينا ولا آبه بالجهة اليسرى فقد كنت موقنا أن المنزل علي يميني , قليل من الأضواء الخافتة الموجودة علي مسافات متباعدة في ذلك الشارع كانت تساعدني وتفضح شخصي في آن واحد.
في كل خطوة أقترب من ذلك المنزل أكثر ينتابني شعور بالخوف والقلق ويزداد شوقي إليك , علي بعد نظرات مني يجلس شابان يتقاسمان حديثا بينهما بجوار باب عريض يختبئ خلفه منزل أو بالأحرى منزلان , أقترب منهما وأتعرف علي شخص منهم ويقطع صوتي حديثهما المشترك طارحا السلام ليستمر أحدهم في الحديث ويصلني صوت أخر قائلا " و عليكم السلام " .

شعرت لحظتها أن هذا الصوت قادم من خلف جدران ذلك البيت المعتم عدا غرفة واحدة فيه يصلني ضوئها من نافذة صغيرة , كدت أجزم أنك تجلسين فيها فمن المستحيل أن تكوني قد خلدتي إلى النوم ولم تتجاوز الساعة السابعة بعد ولا أظنك من عشاق العتمة . في صوته أحسست صوتك و أنا الذي لازلت أذكره رغم أني لم أسمعه منذ الخامس من نيسان , تمنيت لحظتها لو أن عيناي تخترقان تلك النافذة لتتفقدكي , ألا زلت أنتِ أنتِ , ألا زلت تخفين ضحكتك خلف يداك حياء من من حولك , ألا زلتي تلك الأنثى البريئة التي كنت أسعد بمناداتها " يبنيتي " أم أن أشهرا ستة كانت كفيلة بتغيير ما تركتك عليه.

في الحقيقة لم يكن ذلك الشخص سوى أخوك الأصغر ولم يكن الصوت سوا صوته , أخوك الذي تعرفت عليه مصادفة يوم عرفتني بعنوانك و أنكرتني منذ ذلك اليوم , وكيف لا يكون ذلك من سيدة علمتني أن أعشق المكان أكثر من من يرتاده فيوما ما سيذهب الجميع ويبقى المكان وحده شاهدا علي الذاكرة , ولكن تراني مررت هنا هذا اليوم لأشعل ذاكرتي من جديد أم لأتمرد عليها.
وحدها خطاي من أنقذتني من تلك الفوضى المنتشرة وسط الظلام لأجد نفسي عند نهاية الشارع أو عند بدايتي الأولى وسيل من السيارات يعبر في الاتجاهين وأضواء منتشرة تفضح شوقي.
أنا الذي كنت ذاهبا لأعود صديقا لي يسكن هناك وجدت نفسي أقف ببابك أمام كل هذا السيل من التساؤلات أمام شوق فاضح , سؤال واحد لم أجرؤ بطرحه علي نفسي أو حتى بالتفكير فيه , ألا زلت حقا تسكنين ذلك المنزل أم أنك انتقلتي سيدتي لتكوني سيدة منزل أخر والى الأبد.





0 التعليقات:

إرسال تعليق